My Blog List

Followers

الجمعة، 26 فبراير 2010

فوائد الألم وأنواعه

فوائد الألم وأنواعه
بقلم : قداسة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث
الأهرام 25 نوفمير 2007 
البابا شنودةغالبية الناس أو كلهم يكرهون الألم ويهربون منه إلي حياة المتعة والفرح‏..‏ ولكننا لا ننكر أن الألم صارت له فوائد كثيرة‏,‏ للشخص المتألم وللمحيطين به وللعالم كله‏,‏ وللعلم‏.‏ فما هي فوائد الألم التي لولاها ما سمح الله بالألم؟‏..‏ وهل الألم كله ضرر‏,‏ أم له وجه آخر مضيء يمكن الانتفاع به؟‏..‏ وما هي علاقة الألم بعديد من الفضائل الخاصة والاجتماعية؟‏..‏ هذا ما نود أن
نتحدث عنه في هذا المقال‏..‏ كما نود أن نذكر أنواعا من الألم وطريقة الاستفادة منها‏.‏

وهنا أذكر ما قاله أحمد شوقي أمير الشعراء في إحدي قصائده‏:‏

ومتعت بالألم العبقري وأنفع ما في الحياة الألم

ذلك لأن النفس تكون أكثر شفافية وحساسية في حالة الألم منها في حالات البهجة واللهو أو المتعة‏.‏

كما أن الألم دليل علي الحساسية والحياة‏,‏ فالعضو الميت لا يحس ألما‏,‏ أما الحي فإنه يشعر بالألم‏.‏ علي أن أول فائدة للألم هي أنه إنذار بالمرض وبيان لموضعه‏,‏ وذلك حتي يتنبه المريض إلي أن هناك شيئا غير طبيعي في جسده يلزم أن يعالجه‏.‏ وأخطر الأمراض هي التي تبدأ دون أي إحساس بالألم‏,‏ وتظل تسري وتتطور دون ألم‏,‏ إلي أن تصل إلي درجة من الخطورة يصعب علاجها‏,‏ مثل بعض أمراض السرطان‏.‏ وهنا نشعر بفائدة الألم لو كان قد بدأ منذ المرحلة الأولي‏,‏ حتي نتفادي التطور السيئ‏.‏

ويشبه هذا الأمر مرض الطفل الرضيع الذي لا يستطيع أن يعبر عما يشكو منه‏,‏ ولكن ألمه هو التعبير الذي يكشف موضع الوجع عنده حتي نعالجه‏..‏ شعوره بالألم وصراخه بسببه‏,‏ هو نقطة البدء‏,‏ ثم تأخذ أجهزة الكشف مجراها‏.‏

من فوائد الألم أنه أوجد نهضة فكرية في العقل البشري الذي وقف تجاهه لعدة أمور‏:‏ لاكتشاف الألم أين هو؟ ثم البحث عن أسبابه‏,‏ وأيضا لتسكين الألم وتهدئته أو علاجه‏.‏

ولهذا نقول إن من فوائد الألم أنه كان السبب الطبيعي في نشأة علم الطب‏,‏ فلولا الألم والتفكير في التخلص منه‏,‏ ما كانت هناك حاجة إلي الطب‏..‏ علي أنه بتعدد أنواع الآلام‏,‏ ظهرت أيضا تعددات في تخصصات الأطباء‏,‏ فكل نوع ألم‏,‏ ظهر أمامه نوع تخصص طبي‏.‏

والألم كان أيضا السبب في نشوء علم الصيدلة‏,‏ الذي بدأ أولا باكتشاف ما في الأعشاب من عناصر علاجية‏,‏ ثم تطور الأمر إلي نهضة كبيرة في علم الأدوية‏,‏ وفي الجهود العميقة المبذولة لإعداد ما يخفف الآلام أو يزيلها‏.‏

ولولا الألم ما نشأ علم التخدير بأنواعه‏,‏ لأنه من ذا الذي يمكنه أن يحتمل إجراء عمليات جراحية خطيرة له‏,‏ بدون تخدير يساعده علي احتمال الجراحة دون الشعور بأي ألم‏!‏

ومن فوائد الألم أنه كان سببا في البحوث والاكتشافات العديدة‏,‏ والدخول في التكنولوجيا الطبية بعديد من الأجهزة مثل الأشعة‏,‏ والـ‏MRI والقسطرة‏,‏ وما إلي ذلك مما يصعب حصره‏,‏ وهكذا فإن التعامل مع الألم أوجد بلاشك طفرة علمية عجيبة بلغت ذروتها‏.‏

من فوائد الألم أيضا أنه يوجد دافعا روحيا‏,‏ يتقرب به المريض المتألم إلي الله‏,‏ ملتمسا منه الرحمة والمعونة للشفاء‏..‏ وهكذا يصبح الألم مدرسة للصلاة ومدرسة للتوبة‏,‏ فإن دقائق من الألم الشديد يكون لها تأثيرها في المريض أكثر من مائة عظة يسمعها‏,‏ خاصة في الأمراض الخطيرة والآلام الشديدة‏,‏ حين يكون باب الأمل المفتوح وحده أمام المريض المتألم هو باب الله وليس غيره‏..‏ والآلام قد لا تدفع فقط إلي الصلاة‏,‏ إنما أيضا إلي النذور وإلي التعهدات أمام الله‏.‏

من فوائد الألم أنه يكون سببا في التعاطف الاجتماعي‏,‏ وإحاطة المتألم بالعديد من المحبين والأصدقاء والأقارب‏,‏ الذين يحيطون به بكل مشاعر المودة‏,‏ يزورونه ويطلبون له الشفاء‏,‏ وهناك من يتبرع له بدمه‏,‏ أو يتبرع له بأحد أعضائه‏,‏ بل إن بعض حالات العلاج المكلفة كثيرا من الناحية المالية‏,‏ تكون سببا في تبرعات من البعض لإنقاذ المريض‏,‏ إلي جوار من يسهمون في العناية بالمريض ورعايته‏,‏ وربما لولا آلامه‏,‏ ما كان كل هؤلاء المحبين حوله وما كان ما يبذلونه‏..‏

حقا ما أعمق القلب النبيل الذي يحس بآلام غيره ويتأثر بها‏,‏ وأعمق منه من يشارك الناس في آلامهم‏.‏

ربما غالبية ما قلناه كان عن ألم الجسد‏,‏ علي أن هناك أنواع آلام أخري كثيرة منها ألم النفس‏,‏ وفي المقدمة الألم الذي يقاسيه الضمير عندما يخطئ الإنسان‏,‏ ألم التبكيت الداخلي والندم والحزن علي ما ارتكبه‏,‏ وهو ألم نافع جدا يقود إلي التوبة‏.‏ وتوجد آلام بسبب الضيقات والمشاكل‏,‏ ومن فائدتها البحث عن وسائل لحلها‏,‏ والتعاون في هذا الحل‏.‏

ويوجد ألم الفقر‏,‏ ومن فائدته أن يكون الفقير عصاميا‏,‏ يعمل علي بناء نفسه بنفسه‏,‏ ويتصف بالجدية والبعد عن اللهو‏,‏ كما أن ألم الفقراء من فائدته أنه يثير العطف في قلوب المتصفين بالكرم الذين في نبلهم يتألمون بسبب الفقراء ويدفعهم هذا إلي العطاء والبذل‏.‏ أما البخلاء فلا يتألمون بسبب عوز الفقراء‏,‏ وهذا عيب‏.‏

نضيف إلي هذا أن الإحساس بآلام الفقراء وعوزهم‏,‏ مع وجود فوارق اجتماعية كبيرة بينهم وبين الأغنياء‏,‏ كل هذا دفع بعض الفلاسفة والمفكرين إلي إرساء مبادئ الاشتراكية ولما كانت بضدها تتميز الأشياء‏,‏ فإن كثيرا من الآلام دفعت إلي حرص من ناحية الضد‏,‏ فإن الآلام الناتجة عن ويلات الحروب‏,‏ دفعت إلي حرص الدول علي السلام‏,‏ وآلام الذين يخافون البطالة‏,‏ دفعت إلي الاعتماد علي النفس والعمل في المشروعات الصغيرة‏,‏ كذلك فإن ألم التشوه دفع إلي اختراعات في التجميل‏.‏
 
من فوائد الألم أيضا أنه درس لمن يستفيد منه‏:‏ فآلام مرض الإيدز صارت درسا في العفة‏,‏ وآلام المدخنين صارت درسا في البعد عن التدخين أو منعه‏,‏ وآلام الرسوب في الامتحان أو الحصول علي مجاميع ضئيلة كانت درسا لوجوب الاجتهاد والتفوق‏,‏ كذلك فإن آلام السجن والشعور بالعار هي درس للبعد عن الجريمة‏.‏ 
من فائدة الألم أيضا أنه يدفع إلي حياة الشكر‏:‏ فلولا ألم المرض ما كان الناس يشكرون علي الصحة التي هي تاج علي رءوس الأصحاء لا يشعر به إلا المرضي‏..‏ ولولا آلام القيود‏,‏ ما كان الناس يشكرون علي الحرية والراحة‏,‏ ولولا آلام الضيق‏,‏ ما كان البعض يشكر علي أيام الفرج‏,‏ ولولا وجع الألم‏,‏ ما كنا نشكر علي عدم الألم‏.‏

كُن أول من يُعلق

إرسال تعليق

  ©Template Blogger Elegance by Dicas Blogger.

لأعلي