فوائد الألم وأنواعه
فوائد الألم وأنواعه
بقلم : قداسة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث
الأهرام 25 نوفمير 2007
غالبية الناس أو كلهم يكرهون الألم ويهربون منه إلي حياة المتعة والفرح.. ولكننا لا ننكر أن الألم صارت له فوائد كثيرة, للشخص المتألم وللمحيطين به وللعالم كله, وللعلم. فما هي فوائد الألم التي لولاها ما سمح الله بالألم؟.. وهل الألم كله ضرر, أم له وجه آخر مضيء يمكن الانتفاع به؟.. وما هي علاقة الألم بعديد من الفضائل الخاصة والاجتماعية؟.. هذا ما نود أن
نتحدث عنه في هذا المقال.. كما نود أن نذكر أنواعا من الألم وطريقة الاستفادة منها.
وهنا أذكر ما قاله أحمد شوقي أمير الشعراء في إحدي قصائده:
ذلك لأن النفس تكون أكثر شفافية وحساسية في حالة الألم منها في حالات البهجة واللهو أو المتعة.
كما أن الألم دليل علي الحساسية والحياة, فالعضو الميت لا يحس ألما, أما الحي فإنه يشعر بالألم. علي أن أول فائدة للألم هي أنه إنذار بالمرض وبيان لموضعه, وذلك حتي يتنبه المريض إلي أن هناك شيئا غير طبيعي في جسده يلزم أن يعالجه. وأخطر الأمراض هي التي تبدأ دون أي إحساس بالألم, وتظل تسري وتتطور دون ألم, إلي أن تصل إلي درجة من الخطورة يصعب علاجها, مثل بعض أمراض السرطان. وهنا نشعر بفائدة الألم لو كان قد بدأ منذ المرحلة الأولي, حتي نتفادي التطور السيئ.
ويشبه هذا الأمر مرض الطفل الرضيع الذي لا يستطيع أن يعبر عما يشكو منه, ولكن ألمه هو التعبير الذي يكشف موضع الوجع عنده حتي نعالجه.. شعوره بالألم وصراخه بسببه, هو نقطة البدء, ثم تأخذ أجهزة الكشف مجراها.
من فوائد الألم أنه أوجد نهضة فكرية في العقل البشري الذي وقف تجاهه لعدة أمور: لاكتشاف الألم أين هو؟ ثم البحث عن أسبابه, وأيضا لتسكين الألم وتهدئته أو علاجه.
ولهذا نقول إن من فوائد الألم أنه كان السبب الطبيعي في نشأة علم الطب, فلولا الألم والتفكير في التخلص منه, ما كانت هناك حاجة إلي الطب.. علي أنه بتعدد أنواع الآلام, ظهرت أيضا تعددات في تخصصات الأطباء, فكل نوع ألم, ظهر أمامه نوع تخصص طبي.
والألم كان أيضا السبب في نشوء علم الصيدلة, الذي بدأ أولا باكتشاف ما في الأعشاب من عناصر علاجية, ثم تطور الأمر إلي نهضة كبيرة في علم الأدوية, وفي الجهود العميقة المبذولة لإعداد ما يخفف الآلام أو يزيلها.
ولولا الألم ما نشأ علم التخدير بأنواعه, لأنه من ذا الذي يمكنه أن يحتمل إجراء عمليات جراحية خطيرة له, بدون تخدير يساعده علي احتمال الجراحة دون الشعور بأي ألم!
ومن فوائد الألم أنه كان سببا في البحوث والاكتشافات العديدة, والدخول في التكنولوجيا الطبية بعديد من الأجهزة مثل الأشعة, والـMRI والقسطرة, وما إلي ذلك مما يصعب حصره, وهكذا فإن التعامل مع الألم أوجد بلاشك طفرة علمية عجيبة بلغت ذروتها.
من فوائد الألم أيضا أنه يوجد دافعا روحيا, يتقرب به المريض المتألم إلي الله, ملتمسا منه الرحمة والمعونة للشفاء.. وهكذا يصبح الألم مدرسة للصلاة ومدرسة للتوبة, فإن دقائق من الألم الشديد يكون لها تأثيرها في المريض أكثر من مائة عظة يسمعها, خاصة في الأمراض الخطيرة والآلام الشديدة, حين يكون باب الأمل المفتوح وحده أمام المريض المتألم هو باب الله وليس غيره.. والآلام قد لا تدفع فقط إلي الصلاة, إنما أيضا إلي النذور وإلي التعهدات أمام الله.
من فوائد الألم أنه يكون سببا في التعاطف الاجتماعي, وإحاطة المتألم بالعديد من المحبين والأصدقاء والأقارب, الذين يحيطون به بكل مشاعر المودة, يزورونه ويطلبون له الشفاء, وهناك من يتبرع له بدمه, أو يتبرع له بأحد أعضائه, بل إن بعض حالات العلاج المكلفة كثيرا من الناحية المالية, تكون سببا في تبرعات من البعض لإنقاذ المريض, إلي جوار من يسهمون في العناية بالمريض ورعايته, وربما لولا آلامه, ما كان كل هؤلاء المحبين حوله وما كان ما يبذلونه..
حقا ما أعمق القلب النبيل الذي يحس بآلام غيره ويتأثر بها, وأعمق منه من يشارك الناس في آلامهم.
ربما غالبية ما قلناه كان عن ألم الجسد, علي أن هناك أنواع آلام أخري كثيرة منها ألم النفس, وفي المقدمة الألم الذي يقاسيه الضمير عندما يخطئ الإنسان, ألم التبكيت الداخلي والندم والحزن علي ما ارتكبه, وهو ألم نافع جدا يقود إلي التوبة. وتوجد آلام بسبب الضيقات والمشاكل, ومن فائدتها البحث عن وسائل لحلها, والتعاون في هذا الحل.
ويوجد ألم الفقر, ومن فائدته أن يكون الفقير عصاميا, يعمل علي بناء نفسه بنفسه, ويتصف بالجدية والبعد عن اللهو, كما أن ألم الفقراء من فائدته أنه يثير العطف في قلوب المتصفين بالكرم الذين في نبلهم يتألمون بسبب الفقراء ويدفعهم هذا إلي العطاء والبذل. أما البخلاء فلا يتألمون بسبب عوز الفقراء, وهذا عيب.
نضيف إلي هذا أن الإحساس بآلام الفقراء وعوزهم, مع وجود فوارق اجتماعية كبيرة بينهم وبين الأغنياء, كل هذا دفع بعض الفلاسفة والمفكرين إلي إرساء مبادئ الاشتراكية ولما كانت بضدها تتميز الأشياء, فإن كثيرا من الآلام دفعت إلي حرص من ناحية الضد, فإن الآلام الناتجة عن ويلات الحروب, دفعت إلي حرص الدول علي السلام, وآلام الذين يخافون البطالة, دفعت إلي الاعتماد علي النفس والعمل في المشروعات الصغيرة, كذلك فإن ألم التشوه دفع إلي اختراعات في التجميل.
نتحدث عنه في هذا المقال.. كما نود أن نذكر أنواعا من الألم وطريقة الاستفادة منها.
وهنا أذكر ما قاله أحمد شوقي أمير الشعراء في إحدي قصائده:
ومتعت بالألم العبقري وأنفع ما في الحياة الألم
ذلك لأن النفس تكون أكثر شفافية وحساسية في حالة الألم منها في حالات البهجة واللهو أو المتعة.
كما أن الألم دليل علي الحساسية والحياة, فالعضو الميت لا يحس ألما, أما الحي فإنه يشعر بالألم. علي أن أول فائدة للألم هي أنه إنذار بالمرض وبيان لموضعه, وذلك حتي يتنبه المريض إلي أن هناك شيئا غير طبيعي في جسده يلزم أن يعالجه. وأخطر الأمراض هي التي تبدأ دون أي إحساس بالألم, وتظل تسري وتتطور دون ألم, إلي أن تصل إلي درجة من الخطورة يصعب علاجها, مثل بعض أمراض السرطان. وهنا نشعر بفائدة الألم لو كان قد بدأ منذ المرحلة الأولي, حتي نتفادي التطور السيئ.
ويشبه هذا الأمر مرض الطفل الرضيع الذي لا يستطيع أن يعبر عما يشكو منه, ولكن ألمه هو التعبير الذي يكشف موضع الوجع عنده حتي نعالجه.. شعوره بالألم وصراخه بسببه, هو نقطة البدء, ثم تأخذ أجهزة الكشف مجراها.
من فوائد الألم أنه أوجد نهضة فكرية في العقل البشري الذي وقف تجاهه لعدة أمور: لاكتشاف الألم أين هو؟ ثم البحث عن أسبابه, وأيضا لتسكين الألم وتهدئته أو علاجه.
ولهذا نقول إن من فوائد الألم أنه كان السبب الطبيعي في نشأة علم الطب, فلولا الألم والتفكير في التخلص منه, ما كانت هناك حاجة إلي الطب.. علي أنه بتعدد أنواع الآلام, ظهرت أيضا تعددات في تخصصات الأطباء, فكل نوع ألم, ظهر أمامه نوع تخصص طبي.
والألم كان أيضا السبب في نشوء علم الصيدلة, الذي بدأ أولا باكتشاف ما في الأعشاب من عناصر علاجية, ثم تطور الأمر إلي نهضة كبيرة في علم الأدوية, وفي الجهود العميقة المبذولة لإعداد ما يخفف الآلام أو يزيلها.
ولولا الألم ما نشأ علم التخدير بأنواعه, لأنه من ذا الذي يمكنه أن يحتمل إجراء عمليات جراحية خطيرة له, بدون تخدير يساعده علي احتمال الجراحة دون الشعور بأي ألم!
ومن فوائد الألم أنه كان سببا في البحوث والاكتشافات العديدة, والدخول في التكنولوجيا الطبية بعديد من الأجهزة مثل الأشعة, والـMRI والقسطرة, وما إلي ذلك مما يصعب حصره, وهكذا فإن التعامل مع الألم أوجد بلاشك طفرة علمية عجيبة بلغت ذروتها.
من فوائد الألم أيضا أنه يوجد دافعا روحيا, يتقرب به المريض المتألم إلي الله, ملتمسا منه الرحمة والمعونة للشفاء.. وهكذا يصبح الألم مدرسة للصلاة ومدرسة للتوبة, فإن دقائق من الألم الشديد يكون لها تأثيرها في المريض أكثر من مائة عظة يسمعها, خاصة في الأمراض الخطيرة والآلام الشديدة, حين يكون باب الأمل المفتوح وحده أمام المريض المتألم هو باب الله وليس غيره.. والآلام قد لا تدفع فقط إلي الصلاة, إنما أيضا إلي النذور وإلي التعهدات أمام الله.
من فوائد الألم أنه يكون سببا في التعاطف الاجتماعي, وإحاطة المتألم بالعديد من المحبين والأصدقاء والأقارب, الذين يحيطون به بكل مشاعر المودة, يزورونه ويطلبون له الشفاء, وهناك من يتبرع له بدمه, أو يتبرع له بأحد أعضائه, بل إن بعض حالات العلاج المكلفة كثيرا من الناحية المالية, تكون سببا في تبرعات من البعض لإنقاذ المريض, إلي جوار من يسهمون في العناية بالمريض ورعايته, وربما لولا آلامه, ما كان كل هؤلاء المحبين حوله وما كان ما يبذلونه..
حقا ما أعمق القلب النبيل الذي يحس بآلام غيره ويتأثر بها, وأعمق منه من يشارك الناس في آلامهم.
ربما غالبية ما قلناه كان عن ألم الجسد, علي أن هناك أنواع آلام أخري كثيرة منها ألم النفس, وفي المقدمة الألم الذي يقاسيه الضمير عندما يخطئ الإنسان, ألم التبكيت الداخلي والندم والحزن علي ما ارتكبه, وهو ألم نافع جدا يقود إلي التوبة. وتوجد آلام بسبب الضيقات والمشاكل, ومن فائدتها البحث عن وسائل لحلها, والتعاون في هذا الحل.
ويوجد ألم الفقر, ومن فائدته أن يكون الفقير عصاميا, يعمل علي بناء نفسه بنفسه, ويتصف بالجدية والبعد عن اللهو, كما أن ألم الفقراء من فائدته أنه يثير العطف في قلوب المتصفين بالكرم الذين في نبلهم يتألمون بسبب الفقراء ويدفعهم هذا إلي العطاء والبذل. أما البخلاء فلا يتألمون بسبب عوز الفقراء, وهذا عيب.
نضيف إلي هذا أن الإحساس بآلام الفقراء وعوزهم, مع وجود فوارق اجتماعية كبيرة بينهم وبين الأغنياء, كل هذا دفع بعض الفلاسفة والمفكرين إلي إرساء مبادئ الاشتراكية ولما كانت بضدها تتميز الأشياء, فإن كثيرا من الآلام دفعت إلي حرص من ناحية الضد, فإن الآلام الناتجة عن ويلات الحروب, دفعت إلي حرص الدول علي السلام, وآلام الذين يخافون البطالة, دفعت إلي الاعتماد علي النفس والعمل في المشروعات الصغيرة, كذلك فإن ألم التشوه دفع إلي اختراعات في التجميل.
من فوائد الألم أيضا أنه درس لمن يستفيد منه: فآلام مرض الإيدز صارت درسا في العفة, وآلام المدخنين صارت درسا في البعد عن التدخين أو منعه, وآلام الرسوب في الامتحان أو الحصول علي مجاميع ضئيلة كانت درسا لوجوب الاجتهاد والتفوق, كذلك فإن آلام السجن والشعور بالعار هي درس للبعد عن الجريمة.
من فائدة الألم أيضا أنه يدفع إلي حياة الشكر: فلولا ألم المرض ما كان الناس يشكرون علي الصحة التي هي تاج علي رءوس الأصحاء لا يشعر به إلا المرضي.. ولولا آلام القيود, ما كان الناس يشكرون علي الحرية والراحة, ولولا آلام الضيق, ما كان البعض يشكر علي أيام الفرج, ولولا وجع الألم, ما كنا نشكر علي عدم الألم.
كُن أول من يُعلق
إرسال تعليق